بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 فبراير 2012

قنينة الغاز في الجزائر - عنوان محنة يومية في شتاء قارس

بعد موجة الصقيع والثلوج يواجه الجزائريون اليوم أزمة ندرة قنينة غاز البوتان، حيث لجأ الكثير منهم إلى حلول بدائية للتدفئة والطهي. هذه الأوضاع أثارت تساؤلات حول قدرة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في مواجهة مثل هذه الأزمات.

لا تزال الجزائر تعيش تحت أزمة البرد الناتجة عن العاصفة الثلجية التي اجتاحت معظم أرجاء البلد منذ أسابيع، وهي أعنف موجة برد منذ عشرين عاما طالت حتى المناطق الصحراوية، وتسببت في وقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى والمفقودين وشلل تام لمعظم الطرق الرئيسية للبلاد. وعمق من هذه الظروف الجوية التي فرضتها الطبيعة الطريقة التي تعاطى بها المسؤولون في بداية الأزمة التي كان عنوانها الأبرز ندرة قنينات غاز البوتان المستمرة إلى اليوم.DW قامت بجولة إلى مراكز التوزيع ورصدت أراء الجزائريين حولها.

أزمة برد في بلد ينام على الغاز

 كان جالسا على ركبتيه جنب قنينة الغاز وهو يرتعد من شدة البرد، ينفخ في يديه بين الفينة والأخرى، ينظر بقلق كبير إلى الطابور الطويل الذي يقف فيه، ويتمتم بين شفتيه بكلمات غير مفهومة. اقتربنا من مسعود (43 سنة)، وسألناه عن توقيت قدوم شاحنة توزيع غاز البوتان، ودون أن يتكلم رفع يده في إشارة أنه لا يدري. كان الجو ما زال مكهربا بعد مشاجرة كلامية وقعت بين المواطنين وأحد المسؤولين بمحطة التوزيع نفطال ببرج الكيفان في الجزائر العاصمة، يقول مسعود "منذ الصباح الباكر ونحن على هذا الحال، ننتظر شاحنة التوزيع التي قد تأتي أو لا تأتي كما كان الحال أمس.. بقينا في الطابور أكثر من 7 ساعات ليفاجئنا في آخر النهار مدير المحطة قائلا لنا أن الشاحنة لن تأتي لأنه تم تحويلها إلى جهة أخرى"، ويضيف جمال (20 سنة) بقلق كبير "لسنا ندري ما يحدث، كيف يعقل أن نعيش أزمة غاز ونحن أول بلد إفريقي في إنتاج الغاز".
 
طوابير وتطاحن من أجل قارورة غاز

 تركنا برج الكيفان وسكانها ينتظرون قدوم الفرج مع الشاحنة واتجهنا إلى مركز تعبئة قنينات غاز البوتان بسيدي رزين، ببلدية براقي جنوب العاصمة، الذي وجدنا فيه جميع قوى الأمن من شرطة ودرك وطني في حالة استنفار قصوى نتيجة تدفق مئات الشاحنات تحمل ترقيم مختلف ولايات الوطن، على غرار تيزي وزو، المدية، بومرداس، العاصمة، البليدة، تيبازة، وعندما اقتربنا أكثر من البوابة الرئيسية للمركز تفاجئنا بالطوابير الطويلة لمواطنين من مختلف الأعمار يحملون قنينات الغاز أمام البوابة الرئيسية، وتحت حراسة وتنظيم رجال الدرك الوطني، وعندما استفسرنا عن سبب وجود الدرك هنا قال أحد الأعوان "الدرك هو من ينظم عملية التوزيع، ولولا وجوده لكانت الكارثة، حيث ورغم التواجد المكثف لهم، تحدث بين الحين والآخر مشادات عنيفة بين المواطنين، يتدخل الدرك لتفريقها".
 
الحطب بديلا إلى أجل غير مسمى

يقول عبد الرحمان (36 سنة) من حي باش جراح بالعاصمة إنه منذ الثامنة صباحا وهو هنا، "لقد سعيت بكل الوسائل للحصول على قنينة الغاز لكني فشلت، ودلني صديقي على هذا المكان فجئت باكرا لعلي أحصل على واحدة"، ويضيف عبد الرحمان لـ DW "حتى في السوق السوداء لم أجد بالرغم من سعرها الجنوني الذي تجاوز 2000 دينار جزائري في بعض الأحياء (سعرها الأصلي 200 دج)".
 
كانت الساعة تشير إلى الرابعة و النصف مساءً حين اقتربنا من رجل تجاوز العقد الخامس، سألناه عن المنطقة التي جاء منها، فقال عمي البشير "أنا من الشفة (ولاية البليدة)، جئت هنا بعدما يئست من وعود رئيس البلدية بتوفير قنينة الغاز، فمنذ أربعة أيام ونحن نطبخ ونتدفأ بالحطب، (يضحك) لقد أجبرتنا هذه الأزمة على العودة إلى الزمن الماضي...لكن صراحة إننا نعاني".
 
الجزائريون يتهادون قنينة الغاز في عيد الحب

معاناة الجزائريين مع قنينات الغاز تحولت إلى رسومات كاريكاتورية ونكتا، تفنن أصحابها في توصيف الواقع والمأساة ليصنعوا دفئا خاصا ينسيهم قساوة البرد القارص. وتحولت قنينة غاز البوتان لموضوع جدل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وأبرز ما تناوله الجزائريون خلال هذه الفترة من نكت تلك المتعلقة بعيد الحب الذي صادف لـ 14 فبراير، حيث تظهر إحدى الصورة الكاريكاتورية رجلا يهدي زوجته قنينة غاز يحملها على كتفه وهو يقول "عيد حب سعيد يا حبيبتي"، وتبرز الصورة علامات الفرح والسرور على وجه الزوجة بهذه الهدية القيمة. كما نجح مشاغبو شبكات التواصل الاجتماعي في عرض مئات الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر معاناة المواطنين مع قارورة الغاز والطوابير الطويلة، الكثير منها مأساوي ويدين الحكومة في عدم قدرتها على مواجهة هذه المشكلة.
ومن ناحيتهم يرفض مسؤولو شركة نفطال الموزعة للغاز الإقرار بوجود أزمة تزود بالمادة، ويرجعون السبب إلى الطرق المقطوعة وموجة البرد غير المسبوقة التي تعرفها البلاد، ويؤكدون بأن نسبة الإنتاج تضاعفت بشكل لم تعرفه المؤسسة من قبل، حيث ارتفع الإنتاج من 400 ألف قنينة يوميا في الفترات العادية إلى 700 ألف وحدة يوميا في هذه الأسابيع.

جهود في الوقت بدل الضائع

وتكشف تقديرات وزارة الطاقة أن معدل اقتناء غاز البوتان في الجزائر يتراوح بين 350 و400 ألف قارورة غاز يوميا، أي بمعدل 12 مليون قارورة شهريا، و الرقم يرتفع حسب الحالات الاستثنائية مثل هذه التي تعرفها البلاد. وتقدر حظيرة قارورات الغاز في الجزائر بما بين 22 إلى 23 مليون قنينة غاز، أي بمعدل يقترب من 63 بالمائة من إجمالي عدد السكان، مقابل تغطية بالغاز الطبيعي بنسبة ربط قدرت مع نهاية سنة 2011 بحوالي 48 بالمائة فقط، وهو ما جعل أغلب السكان يعتمدون على غاز البوتان.
دخول المضاربين على خط الأزمة في ظل الغياب المطلق لرقابة الدولة للسوق ضاعف من معاناة الفقراء الذين لا يستطيعون دفع ثمن قارورة الغاز بـ2000 دج، ومن أجل حصار موجة الغضب والاحتجاجات لجأ رؤساء بعض البلديات إلى طريقة بيع قارورة الغاز ببطاقة التعريف الوطني (بطاقة الهوية)، من أجل ضمان إيصال المادة لأكبر عدد من السكان، وهي الفكرة التي لقيت استحسان الجميع.
وأظهرت أزمة الغاز في الأسابيع الماضية تكرر الغياب المطلق للجان الأحياء ومؤسسات المجتمع المدني، في التكفل بمثل هذه المشكلات والأزمات، ويقول المكي 33 سنة، "أين هي هذه الجمعيات لمساعدة الناس في محنتهم، أم أنهم يظهرون فقط في الحملات الانتخابية عندما يجعلون أصواتنا جسر التقرب للسلطة".

توفيق بوقاعدة/ الجزائر

الجمعة، 17 فبراير 2012

أحزاب جزائرية تشكك في نزاهة الانتخابات المقبلة و تطالب بضمانات

        تشكك الأحزاب السياسية الجزائرية في الضمانات التي قدمتها السلطة لنزاهة الانتخابات المقبلة، وتعتبر أن خطاب بوتفليقة الأخير لم يأتي بما كان منتظرا، ولم يبدد مخاوفها من إمكانية حدوث تزوير من اقبل "إدارة محترفة" في ذلك.      



مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في العاشر من مايو المقبل، تكثف السلطة الحاكمة في الجزائر من نشاطاتها لإقناع أطراف العملية السياسية بأن جميع الضمانات والإمكانيات الكفيلة بتحقيق انتخابات نزيهة وشفافة غير مسبوقة قد اتخذت لكسر حاجز الخوف من التزوير لدى الأحزاب السياسية، وإقناع المواطنين بالذهاب لصناديق الاقتراع، في ظل وجود توقعات بارتفاع مؤشرات عزوف الناخب عن التوجه لصناديق الاقتراع.
ويحتدم الجدل بين مختلف القوى السياسية حول مدى صدق نوايا السلطة -هذه المرة- في توفير جميع الضمانات التي تساهم في تشكيل "برلمان التغيير" الذي يتطلع إليه أغلب الشعب الجزائري، ورغم تأكيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على هذه الضمانات في خطابه الأخير بمناسبة استدعاء الهيئة الناخبة، والتي وضع من خلاله الخطوط الحمراء أمام الإدارة المتهمة دوما بالتزوير لصالح حزبي السلطة، لا تزال أحزاب كثيرة ترى أنها غير كافية وتطالب بالمزيد من الإجراءات.
وقال أمحمد حديبي الناطق باسم حركة النهضة (إسلامية معارضة)، "إن أكثر ما يثير شكوكنا بشأن نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة هو منع الأحزاب من التواجد في لجان الإشراف القضائي، بالإضافة إلى الغموض الذي يلف النصوص المنظمة لهذه اللجنة"، ويضيف القيادي في النهضة لدي دبليو عربية "نحن لا نثق في ولاة متهمين بالتزوير يعينون القضاة المشرفين على الانتخابات في البلديات".
القضاء لا يضمن النزاهة
من جهته أعتبر موسى تواتي رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، أنه لحد الآن لا توجد ضمانات كافية لإجراء انتخابات نزيهة، وأن بقاء اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات غير معنية بمتابعة سير العملية الانتخابية وإعلان النتائج، يؤكد وجود نوايا تزوير خفية، ويؤكد تواتي لدي دبليو عربية "أن الإدارة وعلى مدى 50 سنة الماضية كانت تقوم بالتزوير، وهذا بشهادة المستفيدين من ذلك، إذ تقول أحزاب السلطة أن هذه المرة لن يكون هناك تزوير، وهو اعتراف ضمني بأن التزوير كان في المرات السابقة، وبيت لقمان لم يتغير فيه شيء حتى نطمئن لوعودهم"،
وحول الإشراف القضائي الذي يراهن عليه في تجسيد انتخابات شفافة ونزيهة قال تواتي "لا يمكن تحقيق النزاهة بمجرد منح السلطة القضائية حق الإشراف عليها لأن الجهاز القضائي لم يحقق الاستقلالية التامة وما يزال تحت نفوذ الإدارة التي توجهه وتملي عليه شروطها وأوامرها وبالتالي فإن تقارير القضاة تبقى نسبية ومشكوك في مصداقيتها".

مطالب بحكومة تكنوقراطية
في هذه الأثناء، عبرت الأحزاب السياسية المعارضة عن أسفها الشديد لعدم استجابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لمطلبها بإقالة حكومة أحمد أويحي التي تتهمها أطراف سياسية بالتورط في عمليات تزوير في مناسبات ماضية، وترى ذات الأحزاب أن بقاء هذه الحكومة مصدر تهديد للإرادة الشعبية بوقائع التزوير بمختلف أشكاله، ويعتقد جمال بن عبد السلام رئيس حزب الجزائر الجديدة (قيد التأسيس)، أن كل الضمانات المقدمة إلى غاية الآن هي "وعود شفوية" بحاجة إلى ما يؤكدها على أرض الواقع، وقال بن عبد السلام لدي دبليو عربية "نحن نطالب بالملموس، فإذا كان الرئيس جادا في مسعاه لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، يتعين عليه قبول مطلب أغلب الأحزاب بإقالة حكومة أحمد أويحي، وتعيين "حكومة كفاءات" جديدة تشرف على الانتخابات، وتكون على نفس المسافة من جميع الأحزاب المشاركة"، ، ويعتبر فاتح الربيعي الأمين العام لحركة النهضة أن حكومة أحمد أويحيى حكومةً متحزبة وتتبعها إدارة تضم كوادر متحزبة، وببقاء هذه الحكومة تكون الظروف المحيطة بالانتخابات بعيدة عن المستوى الكفيل بتحقيق النزاهة".

تضخيم الوعاء الانتخابي مدخل للتزوير
وتزايدت تخوفات أغلب التشكيلات السياسية الجزائرية من حجم الوعاء الانتخابي الذي قدرته مصالح وزارة الداخلية، مؤخرا بحوالي 21 مليون ناخب بعد إحصاء ما لا يقل عن 4 ملايين ناخب جديد. ويؤكد عبد الغفور سعدي القيادي في جبهة العدالة والتنمية (قيد التأسيس)، أن الإعلان عن إحصاء 21 مليون ناخب سبب كاف لإثارة المخاوف والقلق بشأن مدى نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة، قائلا في تصريحات إعلامية بأن الرقم جد ضخم وهو يعد من المداخل الأساسية للتزوير، ويصطدم مع إرادة النظام المعلنة في إقامة انتخابات نزيهة، لذلك "فإن من مصلحة السلطة إعادة القوائم الانتخابية إلى حجمها الطبيعي"، مقدرا في هذا الإطار العدد الحقيقي للوعاء الانتخابي بـ 15 مليون ناخب على الأكثر"، وهو نفس الاتهام الذي وجهه عبد المجيد مناصرة منسق مؤسسي "جبهة التغيير" للسلطة، اذ يرى مناصرة أن مابين 03 و05 مليون ناخب لا وجود لهم إلا في قوائم وزارة الداخلية، والتي تستعين بهم آلة التزوير في تغليب إرادة الجماعة الحاكمة على إرادة الشعب.

المراقبين الدوليين لن يكشفوا التزوير
وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومة الجزائرية أن حضور المراقبين الدوليين في الانتخابات التشريعية المقبلة يشكل "ضمانات إضافية" لنزاهة وشفافية الاقتراع، يعارض قطاع من المعارضة مجيء هؤلاء المراقبين الدوليين، ويرون في وجودهم عبء على الخزينة العمومية، ولا يقدمون أي إضافة لشفافية هذه الانتخابات، ويؤكد محمد حديبي "لقد عودنا هؤلاء المراقبين بأنهم "الشاهد اللي ما شافش حاجة"، وأنهم لن يستطيعوا اكتشاف التزوير في المكاتب التي يزورونها وفق برنامج السلطة"، في ذات الوقت ترى أحزاب أخرى أن المراقبين الدوليين هم "ضمان إضافي" يجب التمسك به، والدعوة إلى أكبر عدد منهم من مختلف المنظمات الدولية والإقليمية.
ويؤكد محمد مسلم المحلل السياسي بجريدة الشروق أن تخوفات أحزاب المعارضة لها ما يبررها من ممارسات السلطة الحاكمة في جميع الانتخابات التي عرفتها البلاد، "فالأحزاب تطالب بإجراءات ملموسة وليس شيء أخر، سواءا في شكل مراسيم أو تحديد صلاحيات الإدارة أو أي إجراء أخر يشعر الأحزاب والمواطنين بالراحة على حد سواء وأنهم أمام انتخابات ليست مثل سابقاتها"، ويرى مسلم في حديثه لموقعنا أن كل ما قدم حتى الآن غير كاف، وغير مشجع للجميع أحزابا وناخبين"، فالجزائري يأس من التغيير عن طريق الصندوق فلجأ للمقاطعة كخيار وموقف سياسي".

توفيق بوقاعدة/الجزائر

الجمعة، 10 فبراير 2012

إسلاميو الجزائر يصارعون خلافاتهم من أجل الفوز في الانتخابات

 

يسعى عدد من قيادات الأحزاب الإسلامية في الجزائر هذه الأيام إلى خلق تكتل إسلامي موحد، لخوض الانتخابات البرلمانية في مايو المقبل، في محاولة للاستفادة من زخم الربيع العربي والنتائج التي يحققها الإسلاميون في بلدان مجاورة.

تتواصل المساعي التي تقوم بها مجموعة من البرلمانيين والشخصيات الإسلامية الناشطة في إطار مبادرة أطلق عليها "مبادرة لم شمل التيار الإسلامي" بوتيرة متسارعة هذه الأيام من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي بين مختلف الأحزاب الإسلامية الناشطة في الجزائر لخلق تكتل انتخابي. وذلك في أفق الانتخابات التشريعية التي أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسميا يوم الخميس 09 فيبراير/شباطأنها ستجري يوم 10 مايو/أيار المقبل، ووصفها ب"الاستحقاق المصيري" للجزائريين.
وتهدف المبادرة، حسب النشطاء القائمين عليها، إلى إقامة اطار مرجعي يهدف إلى تجميع عناصر القوة المبعثرة للتيار الإسلامي بكل أطيافه وجميع مواقعه لتشكيل كتلة قوية والدخول بقوائم موحدة في الانتخابات التشريعية المقررة في مايو/أيار المقبل. وتعتبر هذه أبرز محاولة لتوحيد فصائل التيار الإسلامي في الجزائربهدف خوض الانتخابات، منذ عشرين عاما عندما فازت جبهة الانقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية، قبل أن يلغي العسكر المسلسل الانتخابي، وتدخل الجزائر عشرية دموية راح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص.
هل تتوحد فصائل التيار الإسلامي؟

وأكد عزالدين جرافة المنسق الوطني للمبادرة وأحد المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية، التي أنشئت في الثمانينيات القرن الماضي، والتي جمعت -حينها- رموز الحركات الإسلامية فى الجزائر، أن ثلاثة أحزاب أعطت موافقتها النهائية على المبادرة (النهضة،الإصلاح وحركة مجتمع السلم)، والاتصالات جارية مع البقية، التي فضلت أن تعرض المشروع على مؤسساتها الحزبية بعد عقد مؤتمراتها التأسيسية، ويتعلق الأمر بكل من جبهة التغيير وجبهة الحرية والعدالة (قيدا التأسيس)، وقال عزالدين جرافة لدويتشه فيله،" أن وفدا من المبادرة التقى قادة حركتي النهضة والإصلاح لتحديد الآليات والإجراءات الكفيلة بتحقيق أهداف المبادرة"، وفيما يتعلق بكل من جبهة التغيير وجبهة العدالة والتنمية فأكد جرافة أن قادة الحزبين أعطوا موافقتهم المبدئية، "وننتظر فقط الانتهاء من مؤتمراتها التأسيسية لعقد لقاء قمة بين جميع الأحزاب الإسلامية في الجزائر"، وتشكيل اللجان التي ستباشر عملية تنفيذ المبادرة.
وكان وفد من المبادرة قد التقى الأسبوع الماضي بقيادة حركة مجتمع السلم ورئيسها أبو جرة سلطاني، الذي قدم لهم "صكا على بياض" لإنجاح المبادرة، و قال سلطاني خلال لقاء بمناضلي حزبه بولاية مسيلة (شرق الجزائر) بأنه "يرحب ويدعم فكرة التكتل الإسلامي"، وناشد أطراف الإسلام السياسي في الجزائر "الدخول بقوة في الانتخابات التشريعية المقبلة كتيار وليس كأحزاب مشتتة"، وأكد على ضرورة الاستفادة من دروس الماضي، عندما رفضت بعض القوى الإسلامية التحالف سنة 1990، بحجة "لا تحالف في الإسلام".

عراقيل وصعوبات أمام المبادرة

وتعرف المبادرة، التي بدأ أصحابها التحضير لها منذ ديسمبر الماضي، شد وجذبا كبيرين في أوساط الإسلاميين بين داعم ورافض ومتحفظ، كما أضفى دخول بعض رجال الدين على خط التحذير من توظيف العلماء في السياسة مزيدا من الحدة في هذا الجدل. كما هو الشأن مع الشيخ الطاهر آيت علجت، الذي دعا العلماء والمشايخ إلى عدم التحزب والدخول في الصراعات السياسية، بعد أن عرض عليه فكرة قيادة مبادرة "لم الشمل الإسلامي".
وجاءت التصريحات الأخيرة لمنسق جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة، الذي أكد فيها أن انضمام جبهته للمبادرة مرتبط بانسحاب حركة مجتمع السلم من الحكومة أو من المبادرة، لتخلط أوراق أصحاب المبادرة، وقال مناصرة "لا نقبل أن يكون بيننا طرف موجود أصلا في تكتل آخر''، و''حركة "حمس" مرحبا بها، لكن بعد خروجها من الحكومة''. ومن جهته ألقى موقف عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية المتردد من المبادرة، مزيدا من الغموض على فرص نجاحها، فقد فهم من قبل بعض المبادرين والمراقبين السياسيين أنه رفض المبادرة بشكل دبلوماسي، و أنه لا يريد أن تكون جبهته الوليدة "حصان طروادة" لوصول بعض الأحزاب التي فقدت شعبيتها لدى الناخبين لقبة البرلمان.

من أجل تحالف ضد التزوير
وتسعى بعض القوى الحزبية الإسلامية إلي توسيع مهام المبادرة وجعلها أداة فاعلة لمحاربة التزوير الانتخابي، حيث أكد فاتح ربيعي الأمين العام لحركة النهضة، بأن تنظيمه يؤيد فكرة التكتل إذا توفرت الشروط وخصوصا منها النية الصادقة التي يجب أن تعبر عنها الأحزاب الحليفة من أجل التعاون على التصدي لتزوير الانتخابات".
واعتبر ربيعي في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية أن الحكومة الحالية "عاجزة عن ضمان انتخابات حرة وعادية" ودعا إلى "حلها وتعويضها بحكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية"، وتشكيل كتلة سياسية لمكافحة كل أشكال التزوير، وهو الهدف التي تشترك فيه جميع قوى المعارضة، والتي تطالب بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة "تكنوقراطية" محايدة لضمان النزاهة التي وعدت بها السلطة، وهددت في هذا الإطار بمقاطعة الانتخابات إن لم يستجيب الرئيس عبد العزيزبوتفليقة لهذا المطلب الذي تعتبره "ضروريا".

الامتحان الصعب..

وفي تقديره لأهمية وتوقيت المبادرة يقول المحلل السياسي عثمان لحياني أن "وقت المبادرة مهم على ثلاث مستويات؛ فهي تأتي أولا، استجابة لرغبة وتطلع القاعدة الانتخابية الإسلامية، وثانيا أنها جاءت في سياق دولي يدفع بالتيار الاسلامي للسلطة، وفي الحالة الجزائرية تمثل الحل الوحيد أمام الأحزاب الإسلامية لتكريس ذلك، وثالثا أنه اختبار جدي للقيادات الأحزاب الإسلامية في قدرتها على ممارسة الرقابة الذاتية على الطموحات الشخصية والفردانية والزعاماتية، وامتحان مدى جدية خطابها الداعي إلى الوحدة ولم الشمل والمصالحة". ويشكك عثمان لحياني في حوار لدويتشه فيله في إمكانية نجاح المبادرة، بالنظر إلى حالة الانشقاق والمسافة المتباعدة التي تفصل بين أقطاب التيار الإسلامي، وكذلك الشروط التي تطرحها بعض الشخصيات الفاعلة في الأحزاب الإسلامية قبل أي توافق بشأن تنفيذ المبادرة.
ويدعم الطرح المشكك في مدى نجاح المبادرة، العمل الفردي الذي تقوم به التشكيلات السياسية استعدادا لهذه الانتخابات، حيث تؤكد الأصداء من الولايات أن الأحزاب الإسلامية تضع اللمسات الأخيرة على قوائمها الانتخابية بعيدا عن أي شكل من أشكال التحالف والتكتل بينها، و أن ما تقوم به القيادات على مستوى القمة وفي وسائل الإعلام ما هو إلا فلكلور سياسي، يريد كل طرف من خلاله ربح رصيد شعبي إضافي من مبادرة ولدت ميتة في الأساس، وحتى لا يتهم بأنه ضد توحيد صف التيار الإسلامي التهمة التي تفقده الكثير من التعاطف.

توفيق بوقاعدة - الجزائر

العنف المدرسي في الجزائر يطيح بهيبة الأستاذ

شهدت المدرسة الجزائرية في السنوات الأخيرة تصاعدا في ظاهرة العنف المدرسي، من خلال تسجيل عدد كبير من الاعتداءات على الأساتذة في مختلف أنحاء البلاد، ودقت العديد من الجهات ناقوس الخطر لاحتواء الظاهرة قبل خروجها عن السيطرة.      



أحيى الاعتداء العنيف الذي تعرض له مؤخرا أستاذ اللغة العربية من طرف تلميذ في السنة الأولى بثانوية 01 نوفمبر 1954 في مدينة جديوية بولاية غليزان (غرب الجزائر)، النقاش حول العنف المدرسي في الجزائر، وسبل مواجهته، خاصة وأن حوادث الاعتداء على الأساتذة أصبحت جزءا من المشهد التربوي كل يوم بمدارس وثانويات الجزائر في السنوات الأخيرة. وتقول أستاذة مادة الرياضيات زينب.س بثانوية في الحراش، "لقد أصبحنا مهددين داخل القسم في كل لحظة من طرف تلامذتنا، ذكورا وإناثا، وفي كثير من الأحيان نتراجع عن قراراتنا التأديبية التربوية المعروفة خوفا من ردود أفعالهم العدوانية، لأنه ليس لنا سند يحمينا داخل حرم المدرسة وخارجها"، وتروي الأستاذة زينب لدويتشه فيله، أحداثا عديدة شهدتها الثانوية، تعرض فيها أساتذة للضرب والسب والشتم، وحتى التحرش، من طرف تلامذتهم، دون أن يحصلوا على العقاب المستحق، "لقد أصبحت سلطة التلميذ في القسم أعلى من سلطة الأستاذ وأقوى من رمزيته، لذلك فقدنا مكانتنا بين التلاميذ وفي المجتمع بصفة عامة، ولم نعد نؤدي الرسالة التربوية والتعليمية النبيلة كما يجب أن تكون".

حملة من أجل المطالبة بالقانون

وأمام توسع ظاهرة العنف المدرسي ضد الأساتذة، والتي سادت حتى المدارس الابتدائية، أطلقت النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، مبادرة وطنية لجمع أكبر عدد من التوقيعات، في شكل عريضة احتجاج وطنية، للضغط على وزارة التربية لحملها على إصدار قانون لحماية المعلم والأستاذ داخل المؤسسة التربوية من جميع أشكال العنف التي أصبح عُرضة لها. وأكد الأستاذ محمد أوس، عضو المكتب الوطني للنقابة، في تصريحات صحفية، بأن "النقابة كلفت جميع مكاتبها في البلاد من أجل الشروع في جمع توقيعات مستخدمي القطاع في شكل عريضة اسمية، سيتم استعمالها لمطالبة الجهات المسئولة بتحصين الأستاذ من الاعتداءات الجسدية التي باتت تستهدفه، حيث "نطمح إلى جمع أكثر من مائة ألف توقيع على أقل تقدير للمطالبة بسن قانون خاص، ينتهي بفرض الحماية اللازمة لطاقم المُدرسين أثناء التدريس".

الأستاذات الأكثر تعرضا للعنف

ويرفض أستاذ الفلسفة محمود أوبعيش بثانوية عمر راسم أن يتحول الأستاذ إلى شماعة تعلق عليها أسباب العنف المنتشر في الوسط المدرسي، وردا على اتهامات الأولياء المستمرة للأساتذة والمعلمين بأنهم مقصرون في أداء واجبهم التربوي، ويساهمون بطريقة مباشرة وغير مباشرة في توسع الظاهرة، يقول محمود لدويتشه فيله "إن كل الأرقام تؤكد بأن الأستاذ هو "الضحية" في هذا الموضوع وغالبا ما "يدفع ثمن" قرارات الإدارة ومجالس الأقسام الصادرة في حق التلميذ التي تكون في أغلبها رمزية لا تتعدى التوبيخ البسيط والملاحظة الشفهية، وأقصاها النقل إلى مؤسسة أخرى. غير أن أن هذا يؤدي ببعض التلاميذ إلى التفكير في "الانتقام" سواء داخل المؤسسة أو خارجها، كل هذا في ظل استمرار غياب أطر حماية الأستاذ بكل أشكالها، وخاصة الزميلات اللواتي لا حول ولا قوة لهن داخل المؤسسة وخارجها، وهن أكثر تعرضا للعنف الجسدي واللفظي من الأساتذة الرجال، ويعكس عدد شكاويهن في أقسام الشرطة والمحاكم دليلا على ذلك.

المسؤولية على عاتق الوزارة

ويطالب مسعود عمراوي، المكلف بالإعلام في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، من الوزارة بسن تشريعات قانونية لحماية الأستاذ من جميع أشكال العنف التي يتعرض لها، وتغيير القوانين الحالية التي ساهمت بنسبة كبيرة، ـ حسب رأيه ـ في سيادة سلطة العنف داخل المدرسة. وأضاف في حوار لدويتشه فيله " لقد كانت لنا تشريعات قانونية لحماية الأستاذ بموجب محتوى القانون المدني الصادر في 1975 الذي ينص في عدد من مواده على أن الدولة تحلّ محل الأستاذ إذا قام أولياء التلاميذ بتحريك دعوى قضائية ضده، إلا أنه بعد صدور القانون التوجيهي لقطاع التربية 08/04 في 2008 ألغيت المواد المشار إليها". ويتهم عمراوي وزارة التربية "بتحقير الأستاذ"، وطالبها بمراجعة القانون التوجيهي لسنة 2008، وتضمينه مواد تحمي الأستاذ أثناء ممارسة وظيفته، وفي القضايا المرتبطة بمهنته.
وفي دراسة لافتة أنجزتها الدكتورة بكوش آمال، طبيبة مختصة في الأمراض النفسية بمستشفى عنابة (شرق الجزائر)، تناولت 300 حالة من العنف المدرسي، وجدت أن 51 في المائة منها تتعلق بالعنف اللفظي ضد الأساتذة كالشتائم والتهديدات، و30 في المائة تتعلق بتخريب تجهيزات مدرسية كالطاولات والكراسي والنوافذ الزجاجية وغيرها، كنوع من انتقام التلاميذ من الأساتذة وإدارة مؤسساتهم التربوية، بينما لجأ 29 في المائة إلى الاعتداء على أساتذتهم بالضرب، ووقعت 40 في المائة من الاعتداءات بالضرب داخل المؤسسات التربوية و60 في المائة في محيطها، حيث ترصَّد التلاميذ الجناة أساتذتهم برفقة أصدقاء السوء للاعتداء عليهم.

كلنا معنيون بظاهرة العنف

وبالرغم من صعوبة تحديد الطرف المسئول عن تنامي ظاهرة العنف، إلا أن المختصين يرون في الاكتظاظ وافتقاد الأساتذة للتكوين الخاص في علم النفس التربوي، وغياب أطر قانونية واضحة تحدد مسؤوليات كل طرف وضمانات حمايته، بالإضافة إلى إهمال الأسرة لمهمة التربية، إذ لم تعد تؤدي دورها في متابعة الأبناء داخل البيت وخارجه، وخضوع الأبناء لتأثيرات خارجية بعيدة عن منظومة القيم التي ينتمون لها، وغلبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع على القيم التربوية والتعليمية عوامل تراكمية عبر السنوات تدفع الآن بقوة أكبر بالعنف في الوسط المدرسي.
ويؤكد الأستاذ علي شبيطة الباحث في علم الاجتماع التربوي في هذا الإطار أن 40% من التلاميذ في الجزائر يتميزون بسلوك عدواني يدفعهم إلى ممارسة العنف بمختلف أشكاله، ويقول لدويتشه فيله إن "العنف المدرسي ظاهرة عالمية، وهي مستفحلة في كل المجتمعات، وهو ما يعني أنها ليست خاصية جزائرية، لكن ما يميزها عندنا هو سرعة تناميها"، وعن الأسباب التي أدت إلى انتشارها، فترجع إلى وجود عدة عوامل، من أهمها "خصوصية مرحلة المراهقة التي يمر بها التلميذ، والتي يتميز فيها الفرد بطاقة مرتفعة يقوم بتفريغها في شكل سلوكيات عنيفة، بالإضافة إلى سنوات العنف في الجزائر التي أثرت سلبا على نفسية جيل بأكمله، علاوة على تأثير المحيط الخارجي، وأقصد بذلك وسائل الإعلام سواء التلفزيون أو الإنترنت، والأسرة العاجزة حاليا عن أداء دورها التربوي، ويضاف لهذه العوامل جميعها تنصل الوزارة الوصية عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الظاهرة واحتواءها".
الجزائر/توفيق بوقاعدة