بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 مارس 2012

العلاقات الجزائرية الفرنسية بين مطرقة الاعتذار و سندان النسيان

اعتبر مؤرخون ومراقبون للعلاقات الجزائرية الفرنسية أن "الذاكرة التاريخية" لازال المحدد الرئيسي في تحديد بنية وطبيعة العلاقات السياسية بين البلدين منذ استقلال الجزائر في ستينيات القرن الماضي، ولذلك فان مستقبل العلاقات بين باريس والجزائر سيظل محكوم بمدى تغير فرنسا لطريقة تعاملها مع الجزائر وتاريخها، هذا التعامل الذي يجب أن يقوم حسب الأسرة الثورية على أساس الاحترام المتبادل بين الدولتين.
 توفيق بوقاعدة/الجزائر

استنكرت بعض الأحزاب السياسية وجمعيات الأسرة الثورية الجزائرية التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي جدد فيها رفضه للاعتذار للشعب الجزائر عما قامت به فرنسا أثناء الفترة الاستعمارية للجزائر، كما ساو ساركوزي في تصريحاته بين الضحية والجلاد وبين جيش جرار قوامه نصف مليون جندي مدعوما بالحلف الأطلسي، وبين شعب أعزل واجه دبابات وقنابل عدوه بصدور عارية، واتهم الرئيس الفرنسي قيادات الثورة التحريرية بارتكاب مجازر ضد الاقدام السوداء والمدنيين الفرنسيين، وقال في حوار خص به صحيفة "نيس ماتان" "نعم، كانت هناك تجاوزات كبيرة من هذا الطرف أو ذاك، يتعين التنديد بها، لكن لا ينبغي لفرنسا أن تعتذر"، وقصد هنا بالطرفين، فرنسا وجبهة التحرير الوطني، وذلك بينما كان بصدد الرد على سؤال يتعلق بالتصريح الذي أدلى به في شهر جانفي الماضي، والذي أكد من خلاله رفضه القاطع تقديم الاعتذار للجزائر. ويؤكد المؤرخ الدكتور مصطفى نويصر بجامعة الجزائر 02 أن ما قاله ساركوزي سابقة خطيرة في علاقات الدولتين، وتضمن مغالطات تاريخية كبيرة، حينما "وضع كفاح الشعب الجزائري من أجل الحرية والاستقلال في نفس مستوى الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها القوة الاستعمارية الفرنسية خلال ما يقارب قرنا ونصف من الزمن".

لا بديل عن الاعتذار

وردا على تصريحات ساركوزي قال الامين العام لمنظمة المجاهدين في تصريحات لموقع كل شئ عن الجزائر " إننا لن نتراجع عن هذا المبدأ، يجب أن تعترف فرنسا بجرائمها المرتكبة في الجزائر، وكذا التوبة والاعتذار للشعب وتعويض الضحايا. فرنسا تحصلت على حقوقها من ألمانيا. لماذا ترفض هذا الحق للشعب الجزائري. نحن نريد أن نبني علاقات جيدة مع فرنسا وطي بصفة نهائية هذه الصفحة المظلمة من التاريخ. ولكن هذا لا يمكن القيام به مع الخطب الاستفزازية التي تخلق في نفس الوقت الألم والمعاناة لشعب عاش أكثر من قرن تحت الاستعمار".

تصريحات ساركوزي جاءت أيام قليلة فقط من الذكرى الثانية والخمسون(52) للتفجيرات فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية، التي اتسمت هذا العام بالجدل حول فضاعة المأساة الإنسانية التي خلفتها التفجيرات في السابق والتي لازالت تحصد الضحايا إلى غاية اليوم، ويبلغ عددهم حسب إحصاء المنظمة الوطنية للمجاهدين 30 ألف ضحية، لم تعترف السلطات الفرنسية سوى بـ500 جزائري متضرر تم تسجيلهم قبل مغادرة آخر خبير نووي فرنسي من منطقة أدرار الصحراوية عام 1967.

العدالة الفرنسية تنتصر للضحايا

وحققت جبهة الدفاع عن ضحايا التجارب النووية هذا العام أيضا انتصارا كبير في مسار كشف الحقائق بعد رفض مجلس الدولة الفرنسي مؤخرا الطعن الذي تقدمت به وزارة الدفاع الفرنسية ضد حكم محكمة باريس الادارية في 07 أكتوبر 2010. الذي يقضي بالكشف عن تقارير تتصل بالتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا خلال الفترة 1960 و1996. وتقول المحامية فاطمة الزهراء بن براهم ل dw " لقد كسبنا رهانا جديدا، في طريق كشف الحقائق المتضمنة في التقارير السرية لوزارة الدفاع الفرنسية التي تجاوز عمرها 50 سنة، وذلك حتى يتم تسهيل عملية تعويض الضحايا المتضررين"، وتضيف بن براهم " إن ما حدث في الصحراء الجزائرية لم تكن تجارب بل كانت تفجيرات نووية، يفوق بعضها القنبلة التي تم القاءها على هيروشيما بسبع مرات، وهذا بشهادة جميع خبراء العالم"، وترى رئيسة جمعية مناهضة الفكر الاستعماري بأن النضال المدني من أجل تحقيق مطالب المتضررين من التفجيرات مستمر، وقد دخل مرحلة الحسم، "ولن يستطيع احد وقفنا سواء في الجزائر أو في فرنسا".

ساركوزي يهرب من أزماته إلى التاريخ

ويرى المؤرخ الأستاذ الدكتور محمد قورصو بأن "حرب الجزائر" كما يسميها الفرنسيون و"حرب التحرير" كما يطلق عليها الجزائريون أصبحت ضمن البرنامج السياسي لساركوزي، ويستعملها كورقة "مقايضة" للحصول على الأصوات من المجموعات الناخبة، ولاسيما تلك التي كانت طرف في حرب التحرير إلى جانب فرنسا من الحركى وأبنائهم، وقد استعملت هذه الورقة في الكثير من المواعيد الانتخابية الفرنسية، ويؤكد السيناتور السابق بأن"هذا العمل اللأخلاقي كان السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين البلدين من الناحية السياسية في عدد من المرات". وشبه الأستاذ محمد قورصو أسباب إقحام ساركوزي لحرب التحرير في حملته الانتخابية بما قام به الملك شارل العاشر الذي قام باحتلال الجزائر سنة 1830 لتجاوز المشاكل المتعددة التي كانت تعيشها فرنسا آنداك. ويضيف قورصو ل dw ساركوزي الآن يسعى لتغيير وجهة نظر الفرنسيين الذين يعانون مشاكل مشاكل إقتصادية وإجتماعية متشعبة.

سخط شعبي

وينتقد قطاع واسع من الشعب الجزائري الطريقة التي تعاطت به السلطات الجزائرية مع تصريحات الرئيس الفرنسي، واعتبروا ما قاله وزير الخارجية مراد مدلسي في حوار للإذاعة الجزائرية يوم الأربعاء الماضي بأن " الجزائر تطمح دائما لأن تتحول العلاقة إلى علاقة امتياز واستثنائية مع فرنسا، ونحن نعمل لأجل هذا الهدف، ولا نستطيع أن نقول بأننا وصلنا"، لا يرقى إلا حجم الضرر الذي تركه ساركوزي في نفس الشعب الجزائري، ويقول أحمد 31 سنة، كنا ننتظر مواقف صارمة تلجم ساركوزي وغيره من المتطاولين على تاريخ الجزائر الذي كتبه آبائنا بالدم. وطالب يوسف 27 سنة من مؤسسات المجتمع المدني التحرك والدفع بالسلطة لتبني مواقف حازمة فيما يتعلق بالتاريخ الوطني خاصة بعد ان أعتبره الرئيس الفرنسي مسألة سياسية، وبداية التأريخ للثورة الجزائرية بأقلام أبنائها وبشهادة من صنعوا يومياتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق